سورة الواقعة - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الواقعة)


        


{وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14)}
{وَقَلِيلٌ مّنَ الاخرين} وهم الناس من لدن نبينا صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ولا يخالفه قوله عليه الصلاة والسلام: «إن أمتي يكثرون سائر الأمم» أي يغلبونهم في الكثرة لأن أكثرية سابقي المتقدمين من سابقي هذه الأمة لا تمنع أكثرية تابعي هؤلاء من تابعي أولئك.
وحاصل ذكل غلبة مجموع هذه الأمة كثرة على من سواها كقرية فيها عشرة من العلماء ومائة من العوام وأخرى فيها خمسة من العلماء وألف من العوام فخواص الأولى أكثر من خواص الثانية وعوام الثانية ومجموع أهلها أضعاف أولئك، لا يقال يأبى أكثرية تابعي هؤلاء قوله تعالى: {ثُلَّةٌ مّنَ الاولين وَثُلَّةٌ مّنَ الاخرين} [الواقعة: 39-40] فإنه في حق أصحاب اليمين وهم التابعون، وقد عبر كل بالثلة أي الجماعة الكثيرة لأنا نقول لأدلة في الآية على أكثر من وصف كل من الفريقين بالكثرة وذلك لا ينافي أكثرية أحدهما فتحصل أن سابقي الأمم السوالف أكثر من سابقي أمتنا. وتابعي أمتنا أكثر من تابعي الأمم، والمراد بالأمم ما يدخل فيه الأنبياء وحينئذ لا يبعد أن يقال: إن كثرة سابقي الأولين ليس إلا بأنبيائهم فما على سابقي هذه الأمة بأس إذ أكثرهم سابقو الأمم بضم الأنبياء عليهم السلام، وأخرج الإمام أحمد. وابن المنذ. ر وابن أبي حاتم. وابن مردويه عن أبي هريرة قال: «لما نزلت {ثُلَّةٌ مّنَ الاولين وَقَلِيلٌ مّنَ الاخرين} شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت {ثُلَّةٌ مّنَ الاولين وَثُلَّةٌ مّنَ الاخرين} [الواقعة: 39-40] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة بل أنتم نصف أهل الجنة أو شطر أهل الجنة وتقاسمونهم النصف الثاني» وظاهره أنه شق عليهم قلة من وصف بها وأن الآية الثانية أزالت ذلك ورفعته وأبدلته بالكثرة، ويدل على ذلك ما أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: لما نزلت {ثُلَّةٌ مّنَ الاولين وَقَلِيلٌ مّنَ الاخرين} حزن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا إذًا لا يكون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا قليل فنزلت نصف النهار {ثُلَّةٌ مّنَ الاولين وَثُلَّةٌ مّنَ الاخرين} فنسخت {وَقَلِيلٌ مّنَ الاخرين} وأبى ذلك الزمخشري فقال: إن الرواية غير صحيحة لأمرين: أحدهما: أن الآية الأولى واردة في السابقين، والثانية: في أصحاب اليمين، والثاني أن النسخ في الأخبار غير جائز فإذا أخبر تعالى عنهم بالقلة لم يجز أن يخبر عنهم بالكثرة من ذلك الوجه وما ذكر من عدم جواز النسخ في الأخبار أي في مدلولها مطلقًا هو المختار.
وقيل: يجوز النسخ في المتغير إن كان عن مستقبل لجواز المحو لله تعالى فيما يقدره والاخبار يتبعه، وعلى هذا البيضاوي، وقيل: يجوز عن الماضي أيضًا وعليه الإمام الرازي.
والآمدي، وأما نسخ مدلول الخبر إذا كان مما لا يتغير كوجود الصانع وحدوث العالم فلا يجوز اتفاقًا فإن كان ما نحن فيه مما يتغير فنسخه جائز عند البيضاوي ويوافقه ظاهر خبر أبي هريرة الثاني، ولا يجوز على المختار الذي عليه الشافعي وغيره فقول صاحب الكشف: لا خلاف في عدم جواز النسخ في مثل ما ذكر من الخبر إذ لا يتضمن حكمًا شرعيًا لا يخلو عن شيء.
وأقول: قد يتعقب ما ذكره الزمخشري بأن الحديث قد صح وورود الآية الأولى في السابقين والثانية في أصحاب اليمين لا يرد مقتضاه فإنه يجوز أن يقال: إن الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما سمعوا الآية الأولى حسبوا أن الأمر في هذه الأمة يذهب على هذا النهج فيكون أصحاب اليمين ثلة من الأولين وقليلًا منهم فيكثرهم الفائزون بالجنة من الأمم السوالف فحزنوا لذلك فنزل قوله تعالى في أصحاب اليمين: {ثُلَّةٌ مّنَ الاولين وَثُلَّةٌ مّنَ الاخرين} وقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما قال مما أذهب به حزنهم وليس في هذا نسخ للخبر كما لا يخفى.
وقول أبي هريرة فنسخت {وَقَلِيلٌ مّنَ الاخرين} إن صح عنه ينبغي تأويله بأن يقال أراد به فأزالت حسبان أن يذكر نحوه في الفائزين بالجنة من هذه الأمة غير السابقين فتدبر، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها: الفرقتان أي في قوله تعالى: {ثُلَّةٌ مّنَ الاولين وَقَلِيلٌ مّنَ الاخرين} في أمة كل نبي في صدرها ثلة وفي آخرها قليل، وقيل: هما من الأنبياء عليهم السلام كانوا في صدر الدنيا كثيرين وفي آخرها قليلين.
وقال أبو حيان: جاء في الحديث: «الفرقتان في أمتي فسابق أول الأمة ثلة وسابق سائرها إلى يوم القيامة قليل» انتهى، وجاء في فرقتي أصحاب اليمين نحو ذلك، أخرج مسدد في مسنده. وابن المنذر. والطبراني. وابن مردويه بسند حسن عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه: {ثُلَّةٌ مّنَ الاولين وَثُلَّةٌ مّنَ الاخرين} قال: هما جميعًا من هذه الأمة، وأخرج جماعة بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعًا ما لفظه هما جميعًا من أمتي؛ وعلى هذا يكون الخطاب في قوله عز وجل: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثلاثة} [الواقعة: 7] لهذه الأمة فقط.


{عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15)}
{على سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ} حال من المقربين أو من ضميرهم في قوله تعالى: {فِي جنات النعيم} [الواقعة: 12] بناءًا على أنه في موضع الحال كما تقدم، وقيل: هو خبر آخر للضمير المحذوف المخبر عنه أولًا بثلة وفيه وجه آخر أشرنا إلينا فيما مر، {وموضونة} من الوضن وهو نسج الدرع قال الأعشى:
ومن نسج داود موضونة *** تسير مع الحي عيرًا فعيرا
واستعير لمطلق النسخ أو لنسج محكم مخصوص، ومن ذلك وضين الناقة وهو حزامها لأنه موضون أي مفتول؛ والمراد هنا على ما أخرجه ابن جرير وغيره عن ابن عباس مرمولة أي منسوجة بالذهب، وفي رواية عنه بقضبان الفضة، وقال عكرمة: مشبكة بالدر والياقوت، وقيل: {سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ} متصل بعضها ببعض كحلق الدرع، والمراد متقاربة، وقرأ زيد بن علي. وأبو السمال {سُرُرٍ} بفتح الراء وهي لغة لبعض تميم، وكلب يفتحون عين فعل جمع فعيل المضعف نحو سرير.


{مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16)}
{مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا} حال من الضمير المستقر في الجار والمجرور أعني {على سرر} [الواقعة: 15]، وقوله تعالى: {متقابلين} حال منهم أيضًا ولك أن تعتبر الحالين متداخلين.
والمراد كما قال مجاهد: لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه وهو وصف لهم بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق ورعاية الآداب وصفاء البواطن، وقوله تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8